قضايا فلسطينية أمام محكمة العدل الدولية
تقدمت فلسطين بدعوى ضد الحكومة الأميركية طلبت فيها من محكمة العدل الدولية أن تحكم في مسألة قانونية أساسية تكمن وراء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
اعترف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتاريخ 6/12/2017 بالقدس عاصمة لدولة المستوطنين، وقرر نقل السفارة الأميركية إليها اعتباراً من 14/5/2018، هذا اليوم يوم نقل السفارة إلى القدس، صادف الذكرى السبعين لإعلان قيام دولة إسرائيل. تأتي هذه الخطوة الاستفزازية بعد 23 عاماً من إقرار قانون سفارة القدس الصادر عن الكونغرس في 23 أكتوبر/تشرين الأول 1995، والذي حدد يوم 31 مايو/أيار 1999، موعدًا نهائياً لنقل السفارة. وكانت إدارات، كلينتون وبوش وأوباما، قد أرجأت هذه الخطوة، التي رأى البعض فيها اعترافاً من الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على الأراضي التي استولت عليها في حرب حزيران عام 1967.
قام مسؤولون في دولة فلسطين بإرسال إشعار، يبلغ الحكومة الأميركية أن نقل السفارة إلى القدس هو إخلال بأحكام اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، التي انضمت إليها الولايات المتحدة عام1972، وانضمت إليها فلسطين عام 2014، لم تجاوب الحكومة الأميركية على الإشعار الفلسطيني، بل استخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي، ضد مشروع لإدانة أية تغييرات ديموغرافية أو قانونية في وضع القدس، وكان جميع أعضاء مجلس الأمن قد وافقوا على مشروع القرار الذي أحبطه الفيتو الأميركي، ثم تم تحويله إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، كمشروع قرار، وأصبح قراراً أممياً أيدته معظم الدول.
بتاريخ 4 نيسان/أبريل 2018، تقدّمت دولة فلسطين، استناداً إلى المادة 1 من البروتوكول الاختياري التابع لاتفاقيّة العلاقات الدبلوماسيّة لعام 1961، بشكوى أمام محكمة العدل الدوليّة ضدّ الولايات المتّحدة، بعد قرار إدارة الرئيس دونالد ترامب، في كانون الأول/ ديسمبر 2017، بنقل السفارة الأميركية إلى القدس. أقدمت فلسطين على ذلك بعد انضمامها إلى اتفاقية العلاقات الدبلوماسيّة عام 2014، وإلى البروتوكول الاختياري عام 2018.
أرسلت الولايات المتّحدة، ومن خلال المستشار القانوني لوزارة الخارجية، تصريحاً إلى الأمين العام للأمم المتّحدة ترى فيه انّها غير ملزمة بتنفيذ اتفاقيّة العلاقات الدبلوماسيّة 1961 والبروتوكول الاختياري الذي يُلزم بحل الخلافات الدبلوماسيّة مع فلسطين أمام محكمة العدل الدوليّة.
في أيلول/ سبتمبر 2018، تقدمت فلسطين بدعوى ضد الحكومة الأميركية طلبت فيها من محكمة العدل الدولية أن تحكم في مسألة قانونية أساسية تكمن وراء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وهي «السيادة على القدس»، والسؤال الذي طرحته الدعوى الفلسطينية على المحكمة الدولية للإجابة عليه هو: هل إقامة السفارة الأميركية في القدس هي إقامة على أراضٍ إسرائيلية؟ وبات من المعروف أن الفتوى القانونية الصادرة عام 2004 عن المحكمة الدولية في قضية جدار الفصل العنصري، قد أقرّت بأن «الأراضي الفلسطينية المحتلة» تشمل «الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة».
ولا يمكن للمحكمة أن تخالف ما سبق وأن أقرّته، أي أن السفارة الأميركية نقلت إلى «أراضٍ محتلة» ولا تتبع لـ«إسرائيل». هذا بالإضافة إلى العديد من القرارات تعلن بطلان القرار الإسرائيلي بضم القدس، صدرت عن الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي.
تقوم الدعوى الفلسطينية على أساس اتفاقية فيينا التي تنص على أن إقامة البعثة الدبلوماسية لا يمكن أن يكون إلاّ على أراضي الدولة المستقبلة. وهذا التعبير «في أراضي الدولة المستقبلة» ورد في اثني عشر موقعاً من اتفاقية فيينا.
في 12/4/2021، طلبت دولة فلسطين في رسالة موجهة إلى المحكمة الدولية تأجيل المرافعة الشفوية التي كان من المقرر إجراؤها في 1/6/2021، من أجل إتاحة الفرصة للطرفين لإيجاد حل للنزاع، من خلال المفاوضات، وقد ورد إلى المحكمة أن الحكومة الأميركية «لا تعترض على طلب المدعي «فلسطين»، ولذلك قررت المحكمة بناء على طلب الفريقين تأجيل جلسات الاستماع إلى إشعار آخر.
وبمرور الوقت، لم يتم تحريك الدعوى من جديد حتى الآن، ولو صدر قرار لصالح فلسطين، لكان في ذلك دعم قضائي للموقف الفلسطيني على نحوٍ غير مسبوق، ولكان له إنجازات غاية في الأهمية: ( أولها: أن القرار الأميركي بنقل السفارة قرار باطل ويجب إلغاؤه، وسحب السفارة من القدس، وثانيها: أن الإعلان الإسرائيلي بأن القدس هي عاصمتها، هو إعلان باطل قانوناً، وكانت الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي قد أصدرا العديد من القرارات تعلن بطلان القرار الإسرائيلي، وثالثها: إعادة التأكيد أن القدس جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا يجوز تغيير الوضع القانوني لأراضٍ محتلة. وفي ذلك دعم قضائي للموقف الفلسطيني على نحوٍ غير مسبوق). (1)
ولو توصلت المحكمة الدولية إلى قرار بأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس فيه خرق لالتزام دولي، فإن على الحكومة الأميركية أن تصوّب الوضع، وتسحب سفارتها من الأراضي المحتلة، باعتبار أنها ليست أراضي إسرائيلية.
في هذا الموضوع تم الحديث عن «مساومة باهتة» قامت بها القيادة الفلسطينية، دون الأخذ بعين الاعتبار أخطار جسيمة تهدد الشعب والقضية الفلسطينية، وصلت بالبعض أن يقول إن التنازل عن الدعوى تم مقابل المال، وليس من أجل مكسب ما للشعب الفلسطيني.
اقرأ أيضا| نتنياهو والساتر الإيراني في الضفة
في عام 2012 اعترفت الجمعية العامة بدولة فلسطين، كدولة مراقب وغير عضو، بقرارها 19/67 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، رغم ذلك اعترضت الولايات المتّحدة على تدخّل المحكمة، وطالبتها بعدم قبول الشكوى الفلسطينيّة، لأن محكمة العدل الدوليّة تحكم في «نزاعات بين الدول» كما تنص المادة 34 الفقرة 1 من نظام المحكمة. لهذا، لا بد من التوضيح إذا كانت فلسطين دولة وفق هذه المادة. أثار هذا الموضوع جدلاً كبيراً. مما دفع بالمحكمة إلى مطالبة الأطراف بتقديم توضيح لموقفهم، هل تلبي فلسطين شروط الدولة؟ وبناء على ذلك، هل تقبل المحكمة الدعوى؟.
رأى البعض أن الدولة الفلسطينيّة تمثل حالة فريدة، بمعنى أن الإقليم الذي تطالب بحجزه لممارسة الشعب الفلسطينيّ حقه في تقرير المصير، هو إقليم غير واضح من ناحية السيادة، حيث يوجد تجاهه مطالب من قبل دول أخرى، وبالتحديد «إسرائيل». كذلك وفي ظل الانقسام 2007، وما تلاه من الصراع بين حماس وفتح، ومن الصعب تعريف السكان الذين سيخضعون للدولة الفلسطينيّة. ووفقًا لاتفاق أوسلو 1993، فإن السلطة الفلسطينيّة لا تملك القدرة على إقامة علاقات خارجيّة، ولا تملك سيادة على الفضاء الجوي للأراضي الفلسطينيّة، أو على الحدود مع الدول المجاورة مثل الأردن ومصر.
بينما أشار القاضي بوعز أوكون، أن اتفاق أوسلو 1995 «غيّر من الوضع القانوني لجزء من إقليم الأراضي الفلسطينية المحتلّة، حيث أصبح هذا الجزء كياناً شبه سيادي يمارس سيطرة مستقلّة، وهذا الكيان شبه السيادي يرتقي إلى مستوى الدولة، لأنّه يلبي عناصر الدولة من إقليم وسكان وحكومة». ورأى المتخصص القانوني الإسرائيلي إيال بنفنتسي أن «الكيان الفلسطيني الذي أقيم في غزة وأريحا يملك حياة ودينامية خاصة به». كما أن سلطته «لا يستمدها من السلطة العسكرية الإسرائيلية، ولا حتى من إعلان المبادئ إنما من حقّ تقرير المصير للشعب الفلسطيني». (2)
في حقبة التحرّر من الاستعمار تمّ ربط الحقّ في الدولة بحقّ تقرير المصير، لأنّه وفق الممارسة الدوليّة تمّ تهميش شروط الدولة الفعليّة، في حال وجود مجموعة تطالب بحقّ تقرير المصير.
فيما يتعلق بالعلاقة بين حقّ تقرير المصير واتفاقات أوسلو، فإن معظم متخصصي القانون الدولي رأوا أنّه من المهم تفسير أوسلو انطلاقاً من حقّ تقرير المصير للشعب الفلسطيني. يعتقد أنطونيو كاسيزي أنّ اتفاق أوسلو وإنّ ركّز على حقّ تقرير مصير داخلي للفلسطينيين إلا أنّه ومنذ اللحظة الأولى تمّ التأكيد أنّ الهدف هو حقّ تقرير مصير خارجي وإقامة الدولة الفلسطينيّة المستقلّة. هذا أيضاً ما يؤكده إيال بنفتسي، حين يزعم أنّ هذا الاتفاق، وتبادل رسائل الاعتراف بين عرفات ورابين، ولّدا وضعاً قانونياً جديداً بين أشخاص متساوين في القانون الدولي. كما أنّه شدد على تفسير الاتفاق انطلاقاً من حقّ تقرير المصير للشعب الفلسطيني. (3)
بتاريخ 17/12/2017، أكدت الجمعيّة العامة موقفها بشأن مدينة القدس، وإعلان الرئيس ترامب الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، وطالبت الدول بعدم الاعتراف بأي من الإجراءات التي تتّخذها دولة الاحتلال لفرض قوانينها وسلطتها وإدارتها على مدينة القدس. فهذه الإجراءات غير قانونية، ومن ثم فهي لاغية وباطلة وليس لها أي شرعية على الإطلاق، وتطلب من إسرائيل أن توقف فوراً جميع هذه التدابير غير القانونيّة المتّخذة بصفة أحادية الجانب.
رغم ذلك استمرت سلطات الاحتلال بسياسة ضم وتهويد القدس، وفرض الأمر الواقع، وهدم المنازل، وسحب الهويات، وفرض الضرائب والغرامات الباهظة، والاقتحامات، وانتهاك حرمة المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية..، وهي التي باتت تستنفر مواجهة شعبية متواصلة من قبل مواطني المدينة، مواجهة تتصاعد بين الحين والآخر، وصولاً إلى هبات جماهيرية عارمة. وما تزال مهمة بناء مرجعية وطنية موحدة للمدينة تعمل وفق برنامج شامل لتعزيز الصمود، ما تزال هذه المهمة معطلة بفعل نزعات التفرد والهيمنة التي أعاقت تنفيذ المقترحات المتوازنة، كما بلورتها اللجنة المكلفة بتطبيق قرارات المجلس الوطني الخاص بهذا الشأن. (4)
تعليق واحد